عبد الله مكي يكتب : الإسلام السياسي وتحديات ما بعد الإستعمار… حسن الترابي نموذجاً (6)

الترابي .. المفكر

الشيخ حسن الترابي شخصية (ثلاثية الأبعاد) والذي يُريد أن ينظر للترابي فلابد أن يأخذه جملة واحدة، ولكن مناوئي الترابي – خاصة من الغربيين – ينظرون إليه من جانب واحد وهو الجانب السياسي فقط. فتقول الدكتورة ويلو بريدج أستاذة التاريخ بجامعة نيو كاسل في كتابها: (حسن الترابي وسياسات الإسلاميين): “إن هناك ثلاثة أبعاد تحكم شخصية الترابي، وهي أنه: مفكر، وقائد تنظيمي، وسياسي”.

ويقول أليكس دوال: “إن المشروع الإسلامي لا يمكن فهمه إلا عبر أفكار الترابي”.

ويؤكد عبد الله علي إبراهيم في (هذيان مانوي) أنه: “للتعرف على الفكر الإسلامي الحديث فلا يمكن تجاوز حسن الترابي، لأنه جاوب على أسئلة وتحديات الحداثة، وقدّم أطروحاته بجرأة والحداثة عنده ليست الإتصال بالأدوات الحديثة، ولكنه تعامل مع الحداثة كقدر وابتلاء”.

ويوضح عبد الله علي إبراهيم: “أن الترابي تعاطى مع الحداثة تعاطي خلاق، لأن دولة ما بعد الإستعمار بها أزمة هوية، ولم نجد إجابات لكن الترابي قدّم مقاربات لذلك”.

وكذلك تعليم الترابي المزدوج (من والده والمدرسة الحديثة) – كما فصّلنا في الحلقة السابقة – هو الذي خلق الجاذبية الفكرية للترابي.

ورصدت دكتورة ويلو بريدج الجدل الفكري الدائر حول الترابي، والذي يرى جزء منه أن الترابي جاء من بيئة تقليدية فلا يمكن أن ينتج حداثة. وترد عليهم الكاتبة – ويلو – أن الخميني جاء من بيئة تقليدية وأقام دولة إسلامية حديثة في إيران.

ويقول البعض إن حداثة الترابي لا تتسق مع القيم الغربية، وأنه استخدم أدوات الحداثة ليهد القيم التي تنتجها الحداثة الغربية.

وتم طرح سؤال هل يُعتبر الترابي أحد مفكري ما بعد الإستعمار كأدوارد سعيد وفرانز فانون وغيرهم ؟ فتجيب ويلو بريدج : “أنه من هذه المدرسة. بل إن الترابي تعامل مع الإستعمار بما خلّفه من إرث وأزمة في الهوية، وكيف يكون الإسلام حل لذلك، وشارك في مقاومة الإستعمار الفرنسي في الجزائر ومناصرة القضية الفلسطينية. وكان أقرب للآسيويين خاصة الباكستانيين والهنود، ويرى أن مسلمي آسيا يعبروا عن القضايا برؤية إسلامية، بينما للعرب شوفينية قومية”.

ويعتبر البعض الترابي جسر بين الشرق والغرب، بينما يرى آخرون أن خطابه (مزدوج)، حيث يخاطب الغرب بخطاب (ليبرالي ديمقراطي)، بينما يخاطب الشرق بخطاب (إسلامي، أصولي، راديكالي)، ويعتبره بعض الغربيين (الأب الروحي للإرهاب العالمي) كما يوضح أمير فيسبرد (وهو ديبلوماسي يعمل في سلك الخارجية الإسرائيلية، وخدم في البعثة الإسرائيلية العاملة في العاصمة المغربية، الرباط، وملحق إعلامي في السفارة الإسرائيلية في عمان) في كتابه الذي صدر في العام 2000م بعنوان: (حسن الترابي: الناطق باسم الإسلام المتطرف) وهو من منشورات معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط، وصدر باللغة العبرية، وقام بترجمته للغة العربية غسان كمال من مركز القدس للدراسات السياسية في أكتوبر 2001م.

يقول أمير فيسبرود في مقدمة الكتاب: “خرج هذا الكتاب من بحث نلت به درجة الماجستير  M. A  حيث تمت مناقشة هذه الرسالة باشراف البروفيسور عمنوئيل سيون، في الجامعة العبرية في 1997. ويتناول هذا البحث دراسة ومعالجة ظاهرة حسن الترابي، زعيم الحركة الإسلامية في السودان، وهو برأي الكثيرين سواء في الغرب أو العالم الإسلامي، يعتبر الزعيم السياسي والمحرك الرئيسي للتيار الإسلامي المتطرف السني”.

وينقل فيسبرود شهادة وتصريحات الشخصيات المركزية في هذا التيار تؤكد على أهمية الترابي. فهذا هو الشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي لحركة الجهاد في مصر يقول: “إن المفكرين المسلمين اللذين ساهموا مساهمة كبيرة جداً لوطنهم ودينهم في الجيل الأخير، هما آية الله خميني وحسن الترابي”.

كما: “وشبه زعماء إسلاميون راديكاليون الترابي بسيد قطب والمودودي، وهناك من وصفه بـ(المجدد) وهو وصف ينطوي على معنى روحي ورمزي في الإسلام”.

ويختم أمير فيسبرود مقدمته بأن الكتابات حول الترابي بسيطة وغير شاملة عدا بحث واحد أو اثنين، حيث يقول: “رغم الإعتراف العام بشأن أهمية الترابي كواحد من المفكرين الرئيسيين الإسلاميين في عصرنا، لم يكتب إلى الآن أي بحث شامل، يحلل بصورة نقدية أفكاره. إن كتاب عبد الوهاب الأفندي (ثورة الترابي) الذي نشر في 1991، وهو في الواقع البحث الوحيد حتى اليوم حول شخصية الترابي وأثره، يعالج في الحقيقة من بين ما يعالج أفكاره ويحللها، ولكن من دون أن يعتمد نهجاً انتقادياً ومن دون أن يحاول فحص تطور وجهات نظره على امتداد الزمن”. 

أما الأستاذ عمر عبيد حسنة فيقول ملخصاً (الترابي المفكر) بعد أن أجرى معه حواراً شاملاً حول: (فقه الدعوة : ملامح وآفاق)، وعن: (فقه المرحلة والإنتقال من المبادئ إلى البرامج)، يقول عمر عبيد حسنة : “الترابي يؤمن بالحوار والتفاعل مع الجميع بعيداً عن السذاجة الفكرية، دون أن يتخلى عن أرضيته.. أكسبته التجارب والنزول إلى ساحة الواقع القدرة على الفهم، وإبداع أفكار ومصطلحات، تعبر عن المراحل، وتحولها إلى أعمال، وتجسدها في حياة جماهير الأمة (التزاوج بين المنقول والمعقول) دون التوقف عن النظر إلى المستقبل، واستشراف أبعاده من خلال الواقع الممكن”.

 وحدد الترابي أسباب الإنحطاط: ” ذبول في دوافع الإيمان، وخمول في الفكر والفقه، وجمود في الحركة”. وأن مظاهر هذه الصحوة: ” لا يمكن أن تُرد إلى محاور النشاط الإسلامي المنظم فقط لأنها غدت تياراً فكريّاً جماهيريّاً سائراً. والصحوة ليست مستوطنة بأرض العرب وحدها، فالإسلام ميراث مشترك للأمة الإسلامية”.

وأن الصحوة جاءت استجابة لظروف غشيت العالم قاطبة: “انحسار الاستعمار السياسي، وانكسار الغرور الحضاري الغربي، وخيبة النظم اللادينية، وحركة الوعي الإسلامي”.

ويعتقد الترابي: “أن المجتمع المسلم برغم صحوته المباركة، لا يزال يعاني من نقص نسبي في المجال الفكري والتنظيمي، ومن أكبر الخطر أن تنطلق طاقات الإيمان فلا تجد الهداية الفكرية والأوعية التنظيمية فتبدد سدى، أو تضل، أو تتخبط، أو تتوجه صوب الانحراف”.

وللنهوض من جديد يرى الترابي أنه: “لابد من استكمال شروط اليقظة الروحية، والصحوة الفكرية، والنهضة الحركية، وبذلك نكون قد استكملنا توبتنا من ماضي الانحطاط، واستقبلنا توجهنا نحو دورة حضارية تتقدم بالمسلمين نقدمها إلى العالم أجمع”.

وفي حوارات أجراها الأستاذ عمرو منير دهب مع عدد من الشخصيات السودانية، ونشرها في كتاب تحت عنوان: (الشخصية السودانية في عيون صفوتها)، سأل الشيخ حسن الترابي سؤالاً مهماً :المفكر والسياسي هل يتنازعانك أم يتعاضدان بما يخدم سيرتك المتكاملة؟ فيُجيب الشيخ حسن الترابي قائلاً:

“بالنسبة لي يتعاضد المفكر والسياسي داخلي ولا يتنازعان، كثير من الناس يقول لي إن السياسة منحتك دون ما منحتك إياه الكتب، ولكن الكتب التي تكتبها تكون قيمتها أقل من رسالة قليلة إذا لم تتصل بالتطبيق، النظريات بغير تجارب لا تتقدم، لا نستطيع أن نحاكمها إلى خطأ وصواب، التجربة في النهاية تبين لك حق النظرية فتتسع شعابها أو تبين لك باطل النظرية فتهجرها إلى وجهة أخرى في النظر”.

Related posts